اصول العرب ومرجعهم وأنسابهم
بسم الله
كتاب يتكلم عن اصول العرب ومرجعهم وأنسابهم
جميع العرب يرجعون إلى ولد ثلاث رجال: وهم عدنان، وقحطان، وقضاعة.
العرب
عدنان
قحطان
قضاعة
فعدنان من ولد إسماعيل بلا شك في ذلك، إلا أن تسمية الآباء بينه وبين
إسماعيل قد جهلت جملة. وتكلم في ذلك قوم بما لا يصح؛ فلم نتعرض لذكر ما لا
يقين فيه؛ وأما كل من تناسل من ولد إسماعيل -عليه السلام- فقد غبروا
ودثروا، ولا نعرف أحد منهم على أديم الأرض أصلاً، حاشا ما ذكرنا من أن بني
عدنان من ولده فقط.
وأما قحطان، فمختلف فيه من ولد من هو؟ فقوم قالوا: هو من ولد إسماعيل -عليه
السلام-. وهذا باطل بلا شك، إذ لو كانوا من ولد إسماعيل، لما خص رسول الله
-- بني العنبر بن عمرو بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن
نزار بن معد بن عدنان بأن تعتق منهم عائشة. وإذا كان عليها نذر عتق رقبة من
بني إسماعيل، فصح بهذا أن في العرب من ليس من ولد إسماعيل. وإذ بنو العنبر
من ولد إسماعيل، فآباؤه بلا شك من ولد إسماعيل؛ فلم يبق إلا قحطان وقضاعة.
وقد قيل إن قحطان من ولد سام بن نوح؛ والله أعلم؛ وقيل: من ولد هود عليه
السلام؛ وهذا باطل أيضاً بيقين قول الله تعالى: "وإلى عاد أخاهم هوداً"
وقال تعالى: "وأما عاد فأهلكوا بريحٍ صرصر عاتيةٍ. سخرها عليهم سبع ليال
وثمانية أيام حسوماً فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية. فهل ترى
لهم من باقية". وهود، عليه السلام، من عاد، ولا ترى باقية لعاد. والذي في
التوراة من أنه قحطان بن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، عليه
السلام فقد بينا في كتابنا الموسوم ب الفصل يقين فساد نقل التوراة، عند
ذكرنا ما فيها من الكذب الظاهر، الذي لا مخرج منه، وأنها مصنوعة مولدةٌ،
ليست التي أنزل الله تعالى على موسى -عليه السلام- ألبتة.
وأما قضاعة فمختلف فيه: فقوم يقولون: هو قضاعة بن معد بن عدنان، وقوم يقولون: هو قضاعة بن مالك بن حمير؛ فالله أعلم.
ووجدنا في كتب بطليموس، وفي كتب العجم القديمة، ذكر القضاعيين ونبذة من
أخبارهم وحروبهم. فالله أعلم أهم أوائل قضاعة هذه وأسلافهم، أم هم غيرهم.
وبلاد قضاعة متصلة بالشام، وببلاد يونان والأمم التي بادت ممالكها بغلبة
الروم عليها، وببلاد بني عدنان، ولا تتصل ببلاد اليمن أصلاً. إلا أن الذي
يقطع به، ويثبت، ويحقق، ويوقن، فهو أنه ليس على ظهر الأرض أحد يصل نسبه
بصلة قاطعةٍ، ونقل ثابت، إلى إسماعيل، ولا إلى إسحاق -عليهما السلام- نعني
ابني إبراهيم خليل الله -- فكيف إلى نوح؟ فكيف إلى آدم؟ -عليهما السلام-
هذا ما لا مرية فيه!
جمهرة انساب العرب، لابن حزم
أصل العرب وأولاد عدنان ومعد وقضاعة
قال ابن هشام فالعرب كلها من ولد إسماعيل وقحطان
وبعض أهل اليمن يقول قحطان من ولد إسماعيل ويقول إسماعيل أبو العرب كلها .
قال ابن إسحاق : عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح وثمود وجديس ابنا عابر بن
إرم بن سام بن نوح وطسم وعملاق وأميم بنو لاوذ بن سام بن نوح .
عرب كلهم فولد نابت بن إسماعيل :
يشجب بن نابت فولد يشجب يعرب بن يشجب فولد يعرب تيرح بن يعرب فولد تيرح :
ناحور بن تيرح ، فولد ناحور مقوم بن ناحور : فولد مقوم أدد بن مقوم فولد
أدد عدنان بن أدد
قال ابن هشام : ويقال عدنان بن أد .
قال ابن إسحاق :
فمن عدنان تفرقت القبائل من ولد إسماعيل بن إبراهيم - عليهما السلام - فولد عدنان رجلين معد بن عدنان ، وعك بن عدنان .
قال ابن هشام :
فصارت عك في دار اليمن ، وذلك أن عكا تزوج في الأشعريين فأقام فيهم فصارت الدار واللغة واحدة والأشعريون :
بنو أشعر بن نبت بن أدد بن زيد بن هميسع بن عمرو بن عريب بن يشجب بن زيد بن
كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ويقال أشعر نبت بن أدد ويقال أشعر
بن مالك ومالك مذحج بن أدد بن زيد بن هميسع .
ويقال أشعر بن سبأ بن يشجب .
وأنشدني أبو محرز خلف الأحمر ، وأبو عبيدة لعباس بن مرداس أحد بني سليم بن
منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ،
يفخر بعك
وعك بن عدنان الذين تلقبوا
بغسان حتى طردوا كل مطرد
وهذا البيت في قصيدة له . وغسان :
ماء بسد مأرب باليمن كان شربا لولد مازن بن الأسد بن الغوث ، فسموا به ويقال غسان :
ماء بالمشلل قريب من الجحفة ، والذين شربوا منه تحزبوا ، فسموا به قبائل من
ولد مازن بن الأشد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان ، بن سبأ بن
يشجب بن يعرب بن قحطان .
--------------------------------------------------------------------------------
فصل وذكر عك بن عدنان ، وأن بعض أهل اليمن يقول فيه عك بن عدنان بن عبد
الله ، بن الأزد ، وذكر الدارقطني في هذا الموضع عن ابن الحباب أنه قال فيه
عك بن عبد الله بن عدثان بالثاء المثلثة ولا خلاف في الأول أنه بنونين كما
لم يختلف في دوس بن عدثان أنه بالثاء وهي قبيلة من الأزد أيضا ، واسم عك
عامر .
والديث الذي ذكره هو بالثاء وقاله الزبير الذيب بالذال والياء ولعدنان أيضا
ابن اسمه الحارث وآخر يقال له المذهب ولذلك قيل في المثل أجمل من المذهب
وقد ذكر أيضا في بنيه الضحاك وقيل في الضحاك إنه ابن معد لا ابن عدنان وقيل
إن عدن الذي تعرف به مدينة عدن ،
وكذلك أبين هما :
ابنا عدنان قاله الطبري . ولعدنان بن أدد أخوان نبت بن أدد وعمرو بن أدد . قاله الطبري أيضا .
ذكر قحطان والعرب العاربة
أما قحطان فاسمه مهزم - فيما ذكر ابن ماكولا - وكانوا أربعة إخوة فيما روي عن ابن منبه قحطان وقاحط ومقحط وفالغ .
وقحطان أول من قيل له أبيت اللعن وأول من قيل له عم صباحا ، واختلف فيه
فقيل هو ابن عابر بن شالخ ، وقيل هو ابن عبد الله أخو هود ، وقيل هو هود
نفسه فهو على هذا القول من إرم بن سام ومن جعل العرب كلها من إسماعيل قالوا
فيه هو ابن تيمن بن قيذر بن إسماعيل .
ويقال هو ابن الهميسع بن يمن وبيمن سميت اليمن في قول وقيل بل سميت بذلك لأنها عن يمين الكعبة .
وتفسير الهميسع الصراع .
وقال ابن هشام :
يمن هو .
يعرب بن قحطان سمي بذلك لأن هودا عليه السلام قال له أنت أيمن ولدي نقيبة
في خبر ذكره . قال وهو أول من قال القريض والرجز وهو الذي أجلى بني حام إلى
بلاد المغرب بعد أن كانوا يأخذون الجزية من ولد قوطة بن يافث .
قال وهي أول جزية وخراج أخذت في بني آدم .
وقد احتجوا لهذا القول أعني :
أن قحطان من ولد إسماعيل عليه السلام يقول النبي - - ارموا يا بني إسماعيل
فإن أباكم كان راميا قال هذا القول لقوم من أسلم بن أفصى ، وأسلم أخو خزاعة
وهم بنو حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ، وهم من سبأ بن يشجب بن يعرب بن
قحطان ، ولا حجة عندي في هذا الحديث لأهل هذا القول لأن اليمن لو كانت من
إسماعيل -
مع أن عدنان كلها من إسماعيل بلا شك - لم يكن لتخصيص هؤلاء القوم بالنسب
إلى إسماعيل معنى ، لأن غيرهم من العرب أيضا أبوهم إسماعيل ولكن في الحديث
دليل والله أعلم - على أن خزاعة من بني قمعة أخي مدركة بن إلياس بن مضر ،
كما سيأتي بيانه في هذا الكتاب عند حديث عمرو بن لحي - إن شاء الله - وكذلك
قول أبي هريرة - رضي الله عنه - هي أمكم يا بني ماء السماء يعني : هاجر ،
يحتمل أن يكون تأول في قحطان ما تأوله غيره ويحتمل أن يكون نسبهم إلى " ماء
السماء على زعمهم " فإنهم ينتسبون إليه كما ينتسب كثير من قبائل العرب إلى
حاضنتهم وإلى رابهم أي زوج أمهم - كما سيأتي بيانه في باب قضاعة إن شاء
الله .
سبأ وأميم ووبار
وسبأ اسمه عبد شمس - كما ذكر - وكان أول من تتوج من ملوك العرب ، وأول من
سبى فسمي سبأ ، ولست من هذا الاشتقاق على يقين لأن سبأ مهموز والسبي غير
مهموز . وذكر أميما ، ويقال فيه أميم ووجدت بخط أشياخ مشاهير أميم وأميم
بفتح الهمزة وتشديد الميم مكسورة ولا نظير له في الكلام والعرب تضطرب في
هذه الأسماء القديمة قال المعري :
يراه بنو الدهر الأخير بحاله
كما قد رأته جرهم وأميم
فجاء به على وزن فعيل وهو الأكثر وأميم - فيما ذكروا - أول من سقف البيوت
بالخشب المنشور وكان ملكا ، وكان يسمى : آدم وهو عند الفرس : آدم الصغير
وولده وبار وهم أمة هلكت في الرمل هالت الرياح الرمل على فجاجهم ومناهلهم
فهلكوا . قال الشاعر
وكر دهر على وبار
فأهلكت عنوة وبار
والنسب إليه أباري على غير قياس ومن العماليق ملوك مصر الفراعنة منهم
الوليد بن مصعب صاحب موسى وقابوس بن مصعب بن عمرو بن معاوية بن إراشة بن
معاوية بن عمليق أخو الأول ومنهم الريان بن الوليد صاحب يوسف عليه السلام
ويقال فيه ابن دومع فيما ذكر المسعودي .
وأما طسم وجديس فأفنى بعضهم بعضا قتلت طسم جديسا لسوء ملكتهم إياهم وجورهم
فيهم فأفلت معهم رجل اسمه رباح بن مرة فاستصرخ بتبع وهو حسان بن تبان أسعد
وكانت أخته اليمامة ، واسمها عنز ناكحا في طسم وكان هواها معهم فأنذرتهم
فلم يقبلوا ، فصبحتهم جنود تبع فأفنوهم قتلا ، وصلبوا اليمامة الزرقاء بباب
جو وهي المدينة ، فسميت جو باليمامة من هنالك إلى اليوم وذلك في أيام ملوك
الطوائف وبقيت بعد طسم يبابا لا يأكل ثمرها إلا عوافي الطير والسباع حتى
وقع عليها عبيد بن ثعلبة الحنفي ، وكان رائدا لقومه في البلاد فلما أكل
الثمر قال إن هذا لطعام وحجر بعصاه على موضع قصبة اليمامة ، فسميت حجرا ،
وهي منازل حنيفة إلى اليوم وخبر طسم وجديس مشهور اقتصرنا معه على هذه
النبذة لشهرته عند الإخباريين .
تاريخ العرب قبل الإسلام
موقع الجزيرة العربية
·العرب : هي تنبئ عن الصحارى و الأراضى المجدبة التى لا زرع فيها ولا ماء .
·غرباً : البحر الأحمر و شبة جزيرة سيناء .
·شرقاً : الخليج العربي و جزء من بلاد العراق الجنوبية .
·جنوباً : بحر العرب الذى هو امتداد للبحر المتوسط .
·شمالاً : بلاد الشام و جزء من بلاد العراق .
·شمال غرب : باب للدخول في قارة افريقيا .
·شمال شرق : مفتاح لقارة اوروبا .
·الشرقي : تفتح أبواب العجم و من ثم اسيا الوسطى و جنوبها و الشرق البعيد .
·جنوبها : آسيا .
أقوام العرب
ينقسموا لثلاث أقسام
1- العرب البائدة : القدامى المنقرضين مثال : عاد ، ثمود ، طسم ، جديس ، عملاق ، أميم ، جرهم ، حضور ، وبارة ، عبيل ، جاسم ، حضر موت
2- العرب العاربة : المنحدرين من صلب يشجب بن يعرب بن قحطان تسمي العرب
القحطانية و توجد مقولة تقول ان قحطان من آل نابت بن اسماعيل بن ابراهيم
3- العرب المستعربة :المنحدرين من صلب اسماعيل عليه السلام تسمي بالعرب العدنانية
أقسام العرب :
يقسم العرب
الى بائده مثل ( عاد وثمود )والى باقيه
(القحطانيون والعدنانيون)
أما القحطانيون ويسمون العرب العاربة لأنهم
(أصل العرب) ويعود نسبهم الى يعرب بن قحطان وهم اليمنيون
المعروفون بعرب الجنوب.
العدنانيون : ويسمون العرب المستعربة لأنهم
من البلاد المجاورة.... واختلطوا
وفدوا إلى الجزيرة العربية
بأهلها فتعربوا وهم النزاريون والمعديون
القبائل العربية :
عرب الجنوب ( القحطانيون )
(1) حمير : قضاعة، تنوخ، كلب، جهينة، عذره
(2) كهلان : طى همدان، عامله، جذام ومنها لخم وكنده..
الازد ومنها ( الغساسنة وخزاعة ) والأوس والخزرج.
عرب الشمال ( العدنانيون )
(1) مضر : قيس عيلان ومنها ( هوزان، وسليم، وغطفان ومن غطفان :
عبس وذبيان، وتميم، وهديل،
كنانه ومنها (قريش)
(2) ربيعة : أسد وائل ومنها ( بكر، وتغلب ) ومن بكر بنو حنيفة.
ويعود نسب قحطان إلى عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه
السلام وهو أبو بطون حمير وكهلان
والتبابعة ملوك اليمن.. واللخميين ( ملوك الحيرة ) والغساسنة ملوك
الشام ويعده أهل الانساب أول رجال الجيل
الثاني من أجيال العرب العربة والمتعربة والمستعربة
ويعود نسب العدنانيون إلى..
عدنان بن أدد والذي يتصل نسبه بإسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما
السلام. يقال لأبنائة العدنانيين أو النزاريين أو المعديين او العرب
الشماليين. وإليكم شجرة العرب العاربه(القحطانيون)
والعرب المستعربه(العدنانيون)
[/color][/center][/size][/center]
وقد قرأت لبعض الكتب مثل كتاب
( اصول العرب )
بموضوع
العرب الأرض والشعب والحكم والاقتصادوالديانة
موقع العرب وأقوامها
إن السيرة النبوية ـ على صاحبها الصلاة والسلام ـ هي في الحقيقة عبارة عن
الرسالة التي حملها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المجتمع البشرى قولًا
وفعلًا، وتوجيها وسلوكًا، وقلب بها موازين الحياة، فبدل مكان السيئة
الحسنة، وأخرج بها الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة
الله ، حتى عدل خط التاريخ وَغيَّر مجرى الحياة في العالم الإنساني، ولا
يتم إحضار هذه الصورة الرائعة إلا بعد المقارنة بين البيئة التي سبقت هذه
الرسالة وبين ما آلت إليه بعدها.
وهذا يقتضي تقديم فصول موجزة عن أقوام العرب وتطوراتها قبل الإسلام، وعن
تاريخ الحكومات والإمارات والنظم القبلية التي كانت سائدة في ذلك الزمان،
مع صور من الديانات والمِلَل والنِّحَل والعادات والتقاليد، والأوضاع
السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وقد خصصنا لكل من ذلك هذا الباب، وإليكم تلك الفصول:
موقع العرب
كلمة العرب تنبيء عن الصحارى والقِفَار، والأرض المُجْدِبة التي لا ماء
فيها ولا نبات. وقد أطلق هذا اللفظ منذ أقدم العصور على جزيرة العرب، كما
أطلق على قوم قَطَنُوا تلك الأرض واتخذوها موطنا لهم.
وجزيرة العرب يحدها غربًا البحر الأحمر وشبه جزيرة سيناء، وشرقًا الخليج
العربى وجزء من بلاد العراق الجنوبية، وجنوبًا بحر العرب الذي هو امتداد
لبحر الهند، وشمالًا بلاد الشام وجزء من بلاد العراق، على اختلاف في بعض
هذه الحدود، وتقدر مساحتها ما بين مليون ميل مربع إلى مليون وثلاثمائة ألف
ميل مربع.
ولجزيرة العرب أهمية بالغة من حيث موقعها الطبيعي والجغرافي؛ فإنها في
وضعها الداخلي محاطة بالصحاري والرمال من كل جانب؛ ولأجل هذا الوضع صارت
الجزيرة حصنًا منيعًا لم يستطع الأجانب أن يحتلوها ويبسطوا عليها سيطرتهم
ونفوذهم. ولذلك نرى سكان الجزيرة أحرارًا في جميع الشئون منذ أقدم
العصور، مع أنهم كانوا مجاورين لإمبراطوريتين عظيمتين لم يكونوا يستطيعون
دفع هجماتهما لولا هذا السد المنيع.
وأما بالنسبة إلى الخارج فإنها تقع بين القارات المعروفة في العالم القديم،
وتلتقى به برًا وبحرًا، فإن ناحيتها الشمالية الغربية باب للدخول في قارة
إفريقية، وناحيتها الشمالية الشرقية مفتاح لقارة أوربا، والناحية الشرقية
تفتح أبواب العجم؛ ومن ثم آسيا الوسطى وجنوبها والشرق البعيد، وكذلك تلتقي
كل قارة بالجزيرة بحرًا، وترسى سفنها وبواخرها على ميناء الجزيرة رأسًا.
ولأجل هذا الوضع الجغرافي كان شمال الجزيرة وجنوبها موئلًا للأمم، ومركزًا لتبادل التجارة، والثقافة، والديانة، والفنون.
أقوام العرب
وأما أقوام العرب فقد قسمها المؤرخون إلى ثلاثة أقسام؛ بحسب السلالات التي ينحدرون منها:
1 ـ العرب البائدة: وهم العرب القدامى الذين انقرضوا تمامًا ولم يمكن
الحصول على تفاصيل كافية عن تاريخهم، مثل: عاد، وثمود، وطَسْم، وجَدِيس،
وعِمْلاق، وأُمَيْم، وجُرْهُم، وحَضُور، ووَبـَـار، وعَبِيل، وجاسم،
وحَضْرَمَوت، وغيرها.
2 ـ العرب العاربة: وهم العرب المنحدرة من صلب يَشْجُب بن يَعْرُب بن قَحْطان، وتسمى بالعرب القحطانية.
3 ـ العرب المستعربة: وهي العرب المنحدرة من صلب إسماعيل عليه السلام، وتسمى بالعرب العدنانية.
أما العرب العاربة ـ وهي شعب قحطان ـ فمَهْدُها بلاد اليمن، وقد تشعبت
قبائلها وبطونها من ولد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. فاشتهرت منها
قبيلتان: حِمْيَر بن سبأ، وكَهْلان بن سبأ، وأما بقية بنى سبأ ـ وهـم
أحـد عشـر أو أربعة عشـر بطنًا ـ فيقال لهم: السبئيون، وليست لهم قبائل
دون سبأ.
أ ـ فأما حمير فأشهر بطونها:
1 ـ قُضَاعة: ومنها بَهْراء وَبِلىٌّ والقَيْن وكَلْب وعُذْرَة ووَبَرَة.
2 ـ السَّكاسِك: وهـم بنو زيـد بـن وائلة بن حمير، ولقب زيد: السكاسك، وهي غير سكاسك كِنْدة الآتية في بنى كَهْلان.
3 ـ زيــد الجمهــور: ومنها حمير الأصغر، وسبأ الأصغر، وحضور، وذو أصبح.
ب ـ وأما كَهْلان فأشهر بطونها:
هَمْدان، وألْهَان، والأشْعَر، وطيئ، ومَذْحِج [ومن مذحج: عَنْس
والنَّخْع]، ولَخْم [ومن لخم: كندة، ومن كندة: بنو معاوية
والسَّكُون والسكاسك]، وجُذَام، وعاملة، وخَوْلان، ومَعَافِر، وأنمار
[ومن أنمار: خَثْعَم وبَجِيلَةَ، ومن بجيلة: أحْمَس] والأزْد،
[ومن الأزد: الأوس، والخزرج، وخُزَاعة، وأولاد جَفْنَة ملوك الشام
المعروفون بآل غسان].
وهاجرت بنو كهلان عن اليمن، وانتشرت في أنحاء الجزيرة، يقال: كانت هجرة
معظمهم قبيل سَيْل العَرِم حين فشلت تجارتهم لضغط الرومان وسيطرتهم على
طريق التجارة البحرية، وإفسادهم طريق البر بعد احتلالهم بلاد مصر والشام.
ويقال: بل إنهم هاجروا بعد السيل حين هلك الحرث والنسل بعد أن كانت
التجارة قد فشلت، وكانوا قد فقدوا كل وسائل العيش، ويؤيده سياق القرآن
{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ
وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ
طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ
الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ
خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا
كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا
فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ
فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ
فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سورة سبأ:15: 19]
ولا غرو إن كانت هناك ـ عدا ما تقدم ـ منافسة بين بطون كهلان وبطون حمير
أدت إلى جلاء كهلان، فقد يشير إلى هذا بقاء حمير مع جلاء كهلان.
ويمكن تقسيم المهاجرين من بطون كهلان إلى أربعة أقسام:
1 ـ الأزْد:
وكانت هجرتهم على رأى سيدهم وكبيرهم عمران بن عمرو مُزَيْقِياء، فساروا
يتنقلون في بلاد اليمن ويرسلون الرواد، ثم ساروا بعد ذلك إلى الشمال
والشرق. وهاك تفصيل الأماكن التي سكنوا فيها بعد الرحلة نهائيًا:
نزل عمران بن عمرو في عُمَان، واستوطنها هو وبنوه، وهم أزْد عُمَان.
واستوطنت بنو نصر بن الأزد تُهامة، وهم أزد شَنُوءة.
وعَطَف ثَعْلَبة بن عمرو مزيقياء نحو الحجاز، فأقام بين الثعلبية وذى قار،
ولما كبر ولده وقوى ركنه سار نحو المدينة، فأقام بها واستوطنها، ومن أبناء
ثعلبة هذا: الأوس والخزرج، ابنا حارثة بن ثعلبة.
وتنقل منهم حارثة بن عمرو ـ وهو خزاعة ـ وبنوه في ربوع الحجاز، حتى نزلوا
بمر الظهران، ثم افتتحوا الحرم فقطنوا مكة وأجلوا سكانها الجراهمة.
وسار جَفْنَة بن عمرو إلى الشام فأقام بها هو وبنوه، وهو أبو الملوك
الغساسنة؛ نسبة إلى ماء في الحجاز يعرف بغسان، كانوا قد نزلوا بها أولًا
قبل انتقالهم إلى الشام.
وانضمت البطون الصغيرة إلى هذه القبائل في الهجرة إلى الحجاز والشام، مثل كعب بن عمرو، والحارث بن عمرو، وعوف بن عمرو.
2 ـ لَخْم وجُذَام:
انتقلوا إلى الشرق والشمال، وكان في اللخميين نصر بن ربيعة أبو الملوك المناذرة بالحيرة.
3 ـ بنو طَيِّئ:
ساروا بعد مسير الأزد نحو الشمال حتى نزلوا بالجبلين أجأ وسلمى، وأقاموا هناك، حتى عرف الجبلان بجبلى طيئ.
4 ـ كِنْدة:
نزلوا بالبحرين، ثم اضطروا إلى مغادرتها فنزلوا بـ[حضرموت]، ولاقـوا
هنـاك ما لاقوا بالبحرين، ثم نزلوا نجدًا، وكونوا هناك دولة كبيرة الشأن،
ولكنها سرعان ما فنيت وذهبت آثارها.
وهناك قبيلة من حمير مع اختلاف في نسبتها إليه ـ وهي قضاعة ـ هجرت اليمن
واستوطنت بادية السماوة من مشارف العراق، واستوطن بعض بطونها مشارف الشام
وشمالي الحجاز.
وأما العرب المستعربة، فأصل جدهم الأعلى ـ وهو سيدنا إبراهيم عليه السلام ـ
من بلاد العراق، من مدينة يقال لها: [أر] على الشاطئ الغربي من نهر
الفرات، بالقرب من الكوفة، وقد جاءت الحفريات والتنقيبات بتفاصيل واسعة عن
هذه المدينة، وعن أسرة إبراهيم عليه السلام، وعن الأحوال الدينية
والاجتماعية في تلك البلاد.
ومعلوم أن إبراهيم عليه السلام هاجر منها إلى حاران أو حَرَّان، ومنها إلى
فلسطين، فاتخذها قاعدة لدعوته، وكانت له جولات في أرجائها وأرجاء غيرها من
البلاد، وفي إحدى هذه الجولات أتى إبراهيم عليه السلام على جبار من
الجبابرة، ومعه زوجته سارة، وكانت من أحسن النساء، فأراد ذلك الجبار أن
يكيد بها، ولكن سارة دعت الله تعالى عليه فرد الله كيده في نحره، وعرف
الظالم أن سارة امرأة صالحة ذات مرتبة عالية عند الله ، فأخدمها هاجر
اعترافًا بفضلها، أو خوفًا من عذاب الله ، ووهبتها سارة لإبراهيم عليه
السلام.
ورجع إبراهيم عليه السلام إلى قاعدته في فلسطين، ثم رزقه الله تعالى من
هاجر ابنه إسماعيل، وصار سببًا لغيرة سارة حتى ألجأت إبراهيم إلى نفي هاجر
مع ولدهـا الرضيـع ـ إسماعيل ـ فقدم بهما إبراهيم عليه السلام إلى الحجاز،
وأسكنهما بواد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم الذي لم يكن إذ ذاك إلا
مرتفعًا من الأرض كالرابية، تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فوضعهما
عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء،
فوضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ورجع إلى فلسطين، ولم تمض أيام
حتى نفد الزاد والماء، وهناك تفجرت بئر زمزم بفضل الله ، فصارت لهما قوتا
وبلاغًا إلى حين. والقصة معروفة بطولها.
وجاءت قبيلة يمانية ـ وهي جُرْهُم الثانية ـ فقطنت مكة بإذن من أم
إسماعيل. يقال: إنهم كانوا قبل ذلك في الأودية التي بأطراف مكة، وقد
صرحت رواية البخاري أنهم نزلوا مكة بعد إسماعيل، وقبل أن يشب، وأنهم كانوا
يمرون بهذا الوادى قبل ذلك.
وكان إبراهيم عليه السلام يرتحل إلى مكة ليطالع تركته بها، ولا يعلم بالضبط
عدد هذه الرحلات، إلا أن المصادر المعتمدة حفظت لنا أربعة منها:
1 ـ فقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أنه أرى إبراهيم في المنام أنه
يذبح إسماعيل، فقام بامتثال هذا الأمر: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ
لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ
الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ
الْبَلَاء الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}
[الصافات:103: 107]
وقد ذكر في سِفْر التكوين أن إسماعيل كان أكبر من إسحاق بثلاث عشرة سنة،
وسياق القصة يدل على أنها وقعت قبل ميلاد إسحاق؛ لأن البشارة بإسحاق ذكرت
بعد سرد القصة بتمامها.
وهذه القصة تتضمن رحلة واحدة ـ على الأقل ـ قبل أن يشب إسماعيل، أما
الرحلات الثلاث الأخر فقد رواها البخاري بطولها عن ابن عباس مرفوعًا،
وملخصها:
2ـ أن إسماعيل عليه السلام لما شب وتعلم العربية من جُرْهُم، وأنفسهم
وأعجبهم زوجوه امرأة منهم، وماتت أمـه، وبدا لإبراهيم أن يطالع تركته، فجاء
بعد هذا الزواج، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه وعن أحوالهما، فشكت
إليه ضيق العيش فأوصاها أن تقول لإسماعيل أن يغير عتبة بابه، وفهم إسماعيل
ما أراد أبوه، فطلق امرأته تلك وتزوج امرأة أخرى [وهي ابنة مُضَاض بن
عمرو، كبير جرهم وسيدهم على قول الأكثر].
3 ـ وجاء إبراهيم عليه السلام مرة أخرى بعد أن تزوج إسماعيل هذه الزوجة
الثانية، فلم يجده فرجع إلى فلسطين بعد أن سأل زوجته عنه وعن أحوالهما،
فأثنت على الله بخير، فأوصى إلى إسماعيل أن يُثَبِّتَ عَتَبَة بابه.
4 ـ ثم جاء إبراهيم عليه السلام بعد ذلك فلقى إسماعيل، وهو يَبْرِى نَبْلا
له تحت دوحة قريبًا من زمزم، فلما رآه قام إليه فصنع كما يصنع الوالد
بالولد والولد بالوالد، وكان لقاؤهما بعد فترة طويلة من الزمن، قلما يصبر
فيها الأب الكبير الأواه العطوف عن ولده، والوالد البار الصالح الرشيد عن
أبيه، وفي هذه المرة بنيا الكعبة، ورفعا قواعدها، وأذَّن إبراهيم في الناس
بالحج كما أمره الله .
وقد رزق الله إسماعيل من ابنة مُضَاض اثنى عشر ولدًا ذكرًا،وهم: نابت أو
نبايوط،وقَيْدار، وأدبائيل، ومِِبْشام، ومِشْماع، ودوما، ومِيشا، وحدد،
وتيما، ويَطُور، ونَفيس، وقَيْدُمان.
وتشعبت من هؤلاء اثنتا عشرة قبيلة، سكنت كلها في مكة مدة من الزمان، وكانت
جل معيشتهم إذ ذاك التجارة من بلاد اليمن إلى بلاد الشام ومصر، ثم انتشرت
هذه القبائل في أرجاء الجزيرة بل وإلى خارجها، ثم أدرجت أحوالهم في غياهب
الزمان، إلا أولاد نابت وقيدار.
وقد ازدهرت حضارة الأنباط ـ أبْناء نابت ـ في شمال الحجاز، وكونوا دولة
قوية عاصمتها البتراء ـ المدينة الأثرية القديمة المعروفة في جنوب الأردن،
وقد دان لهذه الدولة النبطية من بأطرافها، ولم يستطع أحد أن يناوئها حتى
جاء الرومان وقضوا عليها.
وقد جنحت طائفة من المحققين من أهل العلم بالأنساب إلى أن ملوك آل غسان
وكذا الأنصار من الأوس والخزرج إنما كانوا من آل نابت بن إسماعيل، وبقاياهم
في تلك الديار.
وإليه مال الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في صحيحه، فقد عقد بابًا عنوانه:
[نسبة اليمن إلى إسماعيل عليه السلام]، واستدل عليه ببعض الأحاديث،
ورجح الحافظ ابن حجر في شرحه أن قحطان من آل نابت بن إسماعيل عليه
السلام.
وأما قيدار بن إسماعيل فلم يزل أبناؤه بمكة، يتناسلون هناك حتى كان منه
عدنان وولده مَعَدّ، ومنه حفظت العرب العدنانية أنسابها. وعدنان هو الجد
الحادى والعشرون في سلسة النسب النبوى، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان
إذا انتسب فبلغ عدنان يمسك ويقول: (كذب النسابون)، فلا يتجاوزه،
وذهب جمع من العلماء إلى جواز رفع النسب فوق عدنان؛ مضعفين للحديث المشار
إليه، ولكنهم اختلفوا في هذا الجزء من النسب اختلافا لا يمكن الجمع بين
أقوالهم، وقد مال المحقق الكبير العلامة القاضى محمد سليمان المنصورفورى ـ
رحمه الله ـ إلى ترجيح ما ذكره ابن سعد ـ والذي ذكره الطبرى والمسعودى
وغيرهما في جملة الأقوال ـ وهو أن بين عدنان وبين إبراهيم عليه السلام
أربعين أبا بالتحقيق الدقيق. وسيأتى.
وقد تفرقت بطون مَعَدّ من ولده نَزَار ـ قيل: لم يكن لمعد ولد غيره ـ
فكان لنزار أربعة أولاد، تشعبت منهم أربعة قبائل عظيمة: إياد وأنمار
وربيعة ومُضَر، وهذان الأخيران هما اللذان كثرت بطونهما واتسعت أفخاذهما،
فكان من ربيعة: ضُبَيْعَة وأسد، ومن أسد: عَنْزَة وجَدِيلة، ومن
جديلة: القبائل الكثيرة المشهورة مثل: عبد القيس، والنَّمِر، وبنو وائل
الذين منهم بكر وتَغْلِب، ومن بنى بكر: بنو قيس وبنو شيبان وبنو حنيفة
وغيرها. أما عنزة فمنها آل سعود ملوك المملكة العربية السعودية في هذا
الزمان.
وتشعبت قبائل مضر إلى شعبتين عظيمتين: قَيْس عَيْلان بن مضر، وبطون إلياس
ابن مضر، فمن قيس عيلان: بنو سليم، وبنو هوازن، وبنو ثقيف، وبنو
صَعْصَعَة، وبنو غَطَفان. ومن غطفان: عَبْس، وذُبْيان،
وأشْجَع،وأعْصُر.
ومن إلياس بن مُضَر: تميم بن مرة، وهُذَيْل بن مُدرِكة، وبنو أسد بن
خزيمة، وبطون كنانة بن خزيمة، ومن كنانة قريش، وهم أولاد فهر بن مالك بن
النضر بن كنانة.
وانقسمت قريش إلى قبائل شتى، من أشهرها: جُمَح وسَهْم وعَدِىّ ومخزوم
وتَيْم وزُهْرَة، وبطون قُصَىّ بن كلاب، وهي: عبد الدار بن قصى،وأسد بن
عبد العزى بن قصى، وعبد مناف بن قصى.
وكان من عبد مناف أربع فصائل: عبد شمس، ونَوْفَل، والمطلب، وهاشم، وبيت
هاشم هو الذي اصطفي الله منه سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم
صلى الله عليه وسلم.
قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفي من ولد إبراهيم إسماعيل،
واصطفي من ولد إسماعيل بنى كنانة، واصطفي من بنى كنانة قريشًا، واصطفي من
قريش بنى هاشم، واصطفانى من بنى هاشم).
وعن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم وخير الفريقين، ثم تخير القبائل،
فجعلني من خير القبيلة، ثم تخير البيوت، فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم
نفسًا وخيرهم بيتًا). وفي لفظ عنه: (إن الله خلق الخلق فجعلني في
خيرهم فرقة، ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم قبائل فجعلني
في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتًا فجعلني في خيرهم بيتًا وخيرهم نفسًا).
ولما تكاثر أولاد عدنان تفرقوا في أنحاء شتى من بلاد العرب متتبعين مواقع القطر ومنابت العشب.
فهاجرت عبد القيس، وبطون من بكر بن وائل، وبطون من تميم إلى البحرين فأقاموا بها.
وخرجت بنو حنيفة بن على بن بكر إلى اليمامة فنزلوا بحُجْر، قَصَبة اليمامة،
وأقامت سائر بكر بن وائل في طول الأرض من اليمامة إلى البحرين إلى سيف
كاظمة إلى البحر، فأطراف سواد العراق فالأُبُلّةُ فَهِيت.
وأقامت تغلب بالجزيرة الفراتية، ومنها بطون كانت تساكن بَكْرًا.وسكنت بنو تميم ببادية البصرة.
وأقامت بنو سليم بالقرب من المدينة، من وادي القرى إلى خيبر إلى شرقي المدينة إلى حد الجبلين، إلى ما ينتهي إلى الحرة.
وسكنت بنو أسد شرقي تيماء وغربي الكوفة، بينهم وبين تيماء ديار بُحْتُرٍ من طيئ، وبينهم وبين الكوفة خمس ليال.
وسكنت ذبيان بالقرب من تيماء إلى حوران، وبقى بتهامة بطون كنانة، وأقام
بمكة وضواحيها بطون قريش، وكانوا متفرقين لا تجمعهم جامعة حتى نبغ فيهم
قصيِّ ابن كلاب، فجمعهم، وكون لهم وحدة شرفتهم ورفعت من أقدارهم.
الحكـم والإمـارة فـي العـرب
كان حكام جزيرة العرب عند ظهور دعوة النبي صلى الله عليه وسلم على قسمين:
1ـ ملوك مُتَوَّجُون ـ إلا أنهم في الحقيقة كانوا غير مستقلين.
2ـ رؤسـاء القبائـل والعشائر ـ وكـان لهم مـن الحكم والامتـياز مـا كـان
للملـوك المتوجين، ومعظم هـؤلاء كانـوا على تمـام الاستقـلال، وربمـا كانت
لبعضـهم تبعية لملك متـوج.
والملوك المتوجون هم: ملوك اليمن، وملوك مشارف الشام [وهم آل غسان]
وملوك الحيرة، وما عدا هؤلاء من حكام الجزيرة لم تكن لهم تيجان. وفيما
يلى موجز عن هؤلاء الملوك والرؤساء.
الملك باليمن
من أقدم الشعوب التي عرفت باليمن من العرب العاربة قوم سبأ، وقد عثر على
ذكرهم في حفريات [أور] بخمس وعشرين قرنا قبل الميلاد، ويبدأ ازدهار
حضارتهم ونفوذ سلطانهم وبسط سيطرتهم بأحد عشر قرنا قبل الميلاد.
ويمكن تقسيم أدوارهم حسب التقدير الآتى:
1 ـ ما بين 1300 إلى 620 ق.م
عرفت دولتهم في هذه الفترة بالدولة المعينية، ظهرت في الجَوْف؛ أى السهل
الواقع بين نجران وحضرموت، ثم أخذت تنمو وتتسع وتسيطر وتزدهر حتى بلغ
نفوذها السياسى إلى العُلا ومَعَان من شمالي الحجاز.
ويقال: إن مستعمراتها وصلت إلى خارج بلاد العرب، وكانت التجارة هي صلب
معيشتهم، ثم إنهم بنوا سد مأرب الذي له شأن كبير في تاريخ اليمن، والذي وفر
لهم معظم خيرات الأرض، {حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا
بُورًا} [ الفرقان:18]
وكان ملوكهم في هذه الفترة يلقبون بـ [مكرب سبأ] وكانت عاصمتهم مدينة
[صِرْوَاح] التي توجد أنقاضها على بعد 50 كيلو مترًا إلى الشمال الغربي
من مدينة [مأرب]، وعلى بعد 142 كيلو مترًا شرقى صنعاء، وتعرف باسم
[خُرَيْبة]. ويقدر عدد هؤلاء الملوك ما بين 22 و 26 ملكًا.
2 ـ ما بين 620 ق. م إلى سنة 115 ق. م
وعرفت دولتهم في هذه الفترة بدولة سبأ، وقد تركوا لقب [مكرب] وعرفوا
بـ[ملوك سبأ]، واتخذوا [مأرب] عاصمة لهم بدل [صرواح] وتوجد
أنقاض مأرب على بعد 192 كيلو مترًا شرقي صنعاء.
3 ـ منذ سنة 115 ق. م إلى سنة300 م
وعرفت الدولة في هذه الفترة بالدولة الحميرية الأولى؛ لأن قبيلة حمير غلبت
واستقلت بمملكة سبأ، وقد عرف ملوكها بـ[ملوك سبأ وذى ريدان]، وهؤلاء
الملوك اتخذوا مدينة [ريدان] عاصمة لهم بدل مدينة [مأرب]، و تعرف
[ريدان] باسم ظفار، وتوجد أنقاضها على جبل مدور بالقرب من
[يريم]. وفي هذا العهد بدأ فيهم السقوط والانحطاط، فقد فشلت تجارتهم
إلى حد كبير لبسط الأنباط سيطرتهم على شمال الحجاز أولًا، ثم لغلبة الرومان
على طريق التجارة البحرية بعد نفوذ سلطانهم على مصر وسوريا وشمالى الحجاز
ثانيًا، ولتنافس القبائل فيما بينها ثالثًا. وهذه العناصر هي التي سببت
في تفرق آل قحطان وهجرتهم إلى البلاد الشاسعة.
4 ـ منذ سنة 300م إلى أن دخل الإسلام في اليمن
عرفت الدولة في هذه الفترة بالدولة الحميرية الثانية، وعرف ملوكها
بـ[ملوك سبأ وذى ريدان وحضرمـوت ويمـنت]، وقد توالت على هذه الدولة
الاضطرابات والحوادث، وتتابعت الانقلابات والحروب الأهلية التي جعلتها عرضة
للأجانب حتى قضى على استقلالها. ففي هذا العهد دخل الرومان في عدن،
وبمعونتهم احتلت الأحباش اليمن لأول مرة سنة 340 م؛ مستغلين التنافس بين
قبيلتى همدان وحمير، واستمر احتلالهم إلى سنة 378 م. ثم نالت اليمن
استقلالها، ولكن بدأت تقع الثلمات في سد مأرب، حتى وقع السيل العظيم الذي
ذكره القرآن بسيل العرم في سنة 450م، أو 451 م.وكانت حادثة كبرى أدت إلى
خراب العمران وتشتت الشعوب.
وفي سنة 523م قاد ذو نُوَاس اليهودى حملة منكرة على المسيحيين من أهل
نجران، وحاول صرفهم عن المسيحية قسرًا، ولما أبوا خدّ لهم الأخدود وألقاهم
في النيران، وهذا الذي أشـار إلـيه القـرآن في سـورة الـبروج بقـوله:
{قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} الآيات [ البروج:4].
وكان هذا الحادث هو السبب في نقمة النصرانية الناشطة إلى الفتح والتوسع تحت
قيادة أباطرة الرومان من بلاد العرب، فقد حرضوا الأحباش، وهيأوا لهم
الأسطول البحرى، فنزل سبعون ألف جندى من الحبشة، واحتلوا اليمن مرة ثانية،
بقيادة أرياط سنة 525 م، وظل أرياط حاكمًا من قبل ملك الحبشة حتى اغتاله
أبرهة بن الصباح الأشرم ـ أحد قواد جيشه ـ سنة 549م، ونصب نفسه حاكمًا على
اليمن بعد أن استرضى ملك الحبشة وأرضاه، وأبرهة هذا هو الذي جند الجنود
لهدم الكعبة، وعرف هو وجنوده بأصحاب الفيل.وقد أهلكه الله بعد عودته إلى
صنعاء عقب وقعة الفيل، فخلفه على اليمن ابنه يَكْسُوم، ثم الابن الثانى
مسروق، وكانا ـ فيما يقال ـ شرا من أبيهما، وأخبث سيرة منه في اضطهاد أهل
اليمن وقهرهم وإذلالهم.
أما أهل اليمن فإنهم بعد وقعة الفيل استنجدوا بالفرس، وقاموا بمقاومة
الحبشة حتى أجلوهم عن البلاد، ونالوا الاستقلال في سنة 575 م بقيادة
معديكرب سيف بن ذى يزن الحميرى، واتخذوه ملكًا لهم، وكان معديكرب أبقى معه
جمعًا من الحبشة يخدمونه ويمشون في ركابه، فاغتالوه ذات يوم، وبموته انقطع
الملك عن بيت ذى يزن، وصارت اليمن مستعمرة فارسية تتعاقب عليها ولاة من
الفرس، وكان أولهم وهرز، ثم المرزبان بن وهرز، ثم ابنه التينجان، ثم خسرو
بن التينجان، ثم باذان، وكان آخر ولاة الفرس، فإنه اعتنق الإسلام سنة 628م،
وبإسلامه انتهي نفوذ فارس على بلاد اليمن.
الملك بالحيرة
كانت الفرس تحكم بلاد العراق وما جاورها منذ أن جمع شملهم قوروش الكبير
(557 ـ 529 ق.م ) ولم يكن أحد يناوئهم، حتى قام الإسكندر المقدونى
سنة 326 ق. م فهزم ملكهم دارا وبددهم وخضد شوكتهم، حتى تجزأت بلادهم،
وتولاها ملوك عرفوا بملوك الطوائف، وقد ظل هؤلاء الملوك يحكمون البلاد
مجزأة إلى سنة 230م. وفي عهد هؤلاء الملوك هاجر القحطانيون، واحتلوا
جزءًا من ريف العراق، ثم لحقهم من هاجر من العدنانيين فزاحموهم حتى سكنوا
جزءًا من الجزيرة الفراتية.
وأول من ملك من هؤلاء المهاجرين هو مالك بن فَهْم التَّنُوخى من آل قحطان،
وكان منزله الأنبار، أو مما يلى الأنبار، وخلفه أخوه عمرو بن فهم في
رواية. وجَذِيمة بن مالك بن فهم ـ الملقب بالأبْرش والوَضَّاح ـ في رواية
أخرى.
وعادت القوة مرة ثانية إلى الفرس في عهد أردشير بن بابك ـ مؤسس الدولة
الساسانية سنة 226 م ـ فإنه جمع شمل الفرس، واستولى على العرب المقيمين على
تخوم ملكه، وكان هذا سببا في رحيل قضاعة إلى الشام، ولكن دان له أهل
الحيرة والأنبار.
وفي عهد أردشير كانت ولاية جذيمة الوضاح على الحيرة وسائر مَنْ ببادية
العراق والجزيرة من ربيعة ومضر، وكأن أردشير رأى أنه يستحيل عليه أن يحكم
العرب مباشرة، ويمنعهم من الإغارة على تخوم ملكه، إلا أن يملك عليهم رجلًا
منهم له عصبية تؤيده وتمنعه، ومن جهة أخرى يمكنه الاستعانة بهم على ملوك
الرومان الذين كان يتخوفهم، وليكون عرب العراق أمام عرب الشام الذين
اصطنعهم ملوك الرومان، وكان يبقى عند ملك الحيرة كتيبة من جنود الفرس؛
ليستعين بها على الخارجين على سلطانه من عرب البادية، وكان موت جذيمة حوالى
سنة 268 م.
وبعد موت جذيمة ولى الحيرة والأنبار عمرو بن عدى بن نصر اللخمى [ 268ـ
288م] وهو أول ملوك اللخميين، وأول من اتخذ الحيرة مقرًا له، وكان في عهد
كسرى سابور بن أردشير، ثم لم يزل الملوك من اللخميين من بعده يتولون
الحيرة حتى ولى الفرس قُبَاذ بن فيروز [448ـ 531م] وفي عهده ظهر
مَزْدَك، وقام بالدعوة إلى الإباحية، فتبعه قباذ كما تبعه كثير من رعيته،
ثم أرسل قباذ إلى ملك الحيرة ـ وهو المنذر بن ماء السماء [512ـ 554 م] ـ
يدعوه إلى اختيار هذا المذهب الخبيث، فأبي عليه ذلك حمية وأنفة، فعزله
قباذ، وولى بدله الحارث بن عمرو بن حجر الكندى بعد أن أجاب دعوته إلى
المذهب المزدكى.
وخلف قباذ كسرى أنوشروان [531ـ 578م] وكان يكره هذا المذهب جدًا، فقتل
المزدك وكثيرًا ممن دان بمذهبه، وأعاد المنذر إلى ولاية الحيرة، وطلب
الحارث بن عمرو، لكنه أفلت إلى دار كلب، فلم يزل فيهم حتى مات.
واستمر الملك بعد المنذر بن ماء السماء في عقبه حتى كان النعمان بن المنذر
[583 ـ605 م] فإنه غضب عليه كسرى بسبب وشاية دبرها زيد بن عدى العبادى،
فأرسل كسرى إلى النعمان يطلبه، فخرج النعمان حتى نـزل سـرا عـلى هانئ بن
مسعود سـيد آل شيبان، وأودعه أهله وماله، ثم توجه إلى كسرى، فحبسه كسرى حتى
مات. وولى على الحيرة بدله إياس بن قَبِيصة الطائى، وأمره أن يرسل إلى
هانئ بن مسعود يطلب منه تسليم ما عنده، فأبي ذلك هانئ حمية، وآذن الملك
بالحرب، ولم يلبث أن جاءته مرازبة كسرى وكتائبه في موكب إياس، ودارت بين
الفريقين معركة هائلة عند ذى قار، انتصر فيها بنو شيبان وانهزمت الفرس
هزيمة نكراء. وهذا أول يوم انتصرت فيه العرب على العجم، وهو بعد ميلاد
الرسول صلى الله عليه وسلم.
واختلف المؤرخون في تحديد زمن هذه المعركة، فقيل: هو بعد ميلاد الرسول
صلى الله عليه وسلم بقليل، وأنه صلى الله عليه وسلم ولد لثمانية أشهر من
ولاية إياس بن قبيصة على الحيرة. وقيل: قبل النبوة بقليل ـ وهو
الأقرب. وقيل: بعد النبوة بقليل. وقيل: بعد الهجرة. وقيل: بعد
بدر. وقيل غير ذلك.
وولى كسرى على الحيرة بعد إياس حاكمًا فارسيًا اسمه آزادبه بن ماهبيان بن
مهرابنداد، وظل يحكم 17 عاما[614ـ 631م] ثم عاد الملك إلى آل لخم سنة
632م، فتولى منهم المنذر بن النعمان الملقب بالمعرور، ولكن لم تزد ولايته
على ثمانية أشهر حتى قدم عليه خالد بن الوليد بعساكر المسلمين .
الملك بالشام
في العهد الذي ماجت فيه العرب بهجرات القبائل سارت بطون من قضاعة إلى مشارف
الشام وسكنت بها، وكانوا من بنى سُلَيْح بن حُلْوان الذين منهم بنو
ضَجْعَم ابن سليح المعروفون باسم الضجاعمة، فاصطنعهم الرومان؛ ليمنعوا عرب
البرية من العبث، وليكونوا عدة ضد الفرس، وولوا منهم ملكًا، ثم تعاقب الملك
فيهم سنين، ومن أشهر ملوكهم زياد بن الهَبُولة، ويقدر زمنهم من أوائل
القرن الثانى الميلادى إلى نهايته تقريبًا، وانتهت ولايتهم بعد قدوم آل
غسان، الذين غلبوا الضجاعمة على ما بيدهم وانتصروا عليهم، فولتهم الروم
ملوكًا على عرب الشام، وكانت قاعدتهم مدينة بصرى، ولم تزل تتوالى الغساسنة
على الشام بصفتهم عمالًا لملوك الروم حتى كانت وقعة اليرموك سنة 13هـ،
وانقاد للإسلام آخر ملوكهم جَبَلَة بن الأيهم في عهد أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب رضي الله عنه.
الإمارة بالحجاز
ولي إسماعيل عليه السلام زعامة مكة وولاية البيت طول حياته، وتوفي وله 137
سنة، ثم ولى واحد، وقيل: اثنان من أبنائه: نابت ثم قَيْدار، ويقال
العكس، ثم ولى أمر مكة بعدهما جدهما مُضَاض بن عمرو الجُرْهُمِىّ، فانتقلت
زعامة مكة إلى جرهم، وظلت في أيديهم، وكان لأولاد إسماعيل مركز محترم؛ لما
لأبيهم من بناء البيت، ولم يكن لهم من الحكم شيء.
ومضت الدهور والأيام ولم يزل أمر أولاد إسماعيل عليه السلام ضئيلًا لا
يذكر، حتى ضعف أمر جرهم قبيل ظهور بُخْتُنَصَّر، وأخذ نجم عدنان السياسى
يتألق في أفق سماء مكة منذ ذلك العصر، بدليل ما جاء بمناسبة غزو بختنصر
للعرب في ذات عِرْق، فإن قائد العرب في الموقعة لم يكن جرهميًا، بل كان
عدنان نفسه.
وتفرقت بنو عدنان إلى اليمن عند غزوة بختنصر الثانية [سنة 587 ق. م]
وذهب برخيا ـ صاحب يرمياه النبي الإسرائيلى بَمَعَدّ ـ إلى حران من الشام،
فلما انكشف ضغط بختنصر رجع معد إلى مكة فلم يجد من جرهم إلا جَوْشَم بن
جُلْهُمة، فتزوج بابنته مُعَانة فولدت له نزارًا.
وساء أمر جرهم بمكة بعد ذلك، وضاقت أحوالهم، فظلموا الوافدين إليها،
واستحلوا مال الكعبة، الأمر الذي كان يغيظ العدنانيين ويثير حفيظتهم، ولما
نزلت خزاعة بِمَرِّ الظَّهْران، ورأت نفور العدنانيين من الجراهمة استغلت
ذلك، فقامت بمعونة من بطون عدنان ـ وهم بنو بكر بن عبد مناف بن كنانة ـ
بمحاربة جرهم، حتى أجلتهم عن مكة، واستولت على حكمها في أواسط القرن الثانى
للميلاد.
ولما لجأت جرهم إلى الجلاء سدوا بئر زمزم، ودرسوا موضعها، ودفنوا فيها عدة
أشياء، قال ابن إسحاق: فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمى بغزالى
الكعبة، وبحجر الركن الأسود فدفنهما في بئر زمزم، وانطلق هو ومن معه من
جرهم إلى اليمن، فحزنوا على ما فارقوا من أمر مكة وملكها حزنًا شديدًا، وفي
ذلك قال عمرو:
كأن لم يكن بين الحَجُون إلى الصَّفَا ** أنيـس ولـم يَسْمُـر بمكـــة سامـــر
بلــى نحــن كــنا أهـلــها فأبـادنـا ** صُرُوف الليالى والجُدُود العَوَاثِر
ويقدر زمن إسماعيل عليه السلام بعشرين قرنًا قبل الميلاد، فتكون إقامة جرهم
في مكة واحدًا وعشرين قرنًا تقريبًا، وحكمهم على مكة زهاء عشرين قرنًا.
واستبدت خزاعة بأمر مكة دون بنى بكر، إلا أنه كان إلى قبائل مضر ثلاث خلال:
الأولى: الدفع بالناس من عرفة إلى المزدلفة، والإجازة بهم يوم النفر من
منى، وكان يلى ذلك بنو الغَوْث بن مرة من بطون إلياس بن مضر، وكانوا يسمون
صُوفَة، ومعنى هذه الإجازة أن الناس كانوا لا يرمون يوم النفر حتى يرمى رجل
من صوفة، ثم إذا فرغ الناس من الرمى وأرادوا النفر من منى أخذت صوفة
بجانبى العقبة، فلم يجز أحد حتى يمروا، ثم يخلون سبيل الناس، فلما انقرضت
صوفة ورثهم بنو سعد بن زيد مناة من تميم.
الثانية: الإفاضة من جمع غداة النحر إلى منى، وكان ذلك في بنى عدوان.
الثالثة:إنساء الأشهر الحرم، وكان ذلك إلى بنى فُقَيْم بن عدى من بنى كنانة.
واستمرت [ولاية] خزاعة على مكة ثلاثمائة سنة. وفي وقت حكمهم انتشر
العدنانيون في نجد وأطراف العراق والبحرين، وبقى بأطراق مكة بطون من قريش
وهم حُلُول وصِرْم متقطعون، وبيوتات متفرقون في قومهم من بنى كنانة، وليس
لهم من أمر مكة ولا البيت الحرام شيء حتى جاء قصى بن كلاب.
ويذكر من أمر قصى: أن أباه مات وهو في حضن أمه، ونكح أمه رجل من بنى
عُذْرَة ـ وهو ربيعة بن حرام ـ فاحتملها إلى بلاده بأطراف الشام، فلما شب
قصى رجع إلى مكة، وكان واليها إذ ذاك حُلَيْل بن حَبْشِيَّة من خزاعة، فخطب
قصى إلى حليل ابنته حُبَّى، فرغب فيه