كيف
لاتضيع منا السنوات والاعوام
كل
شيء هالك الا وجهه له الحكم واليه ترجعون عباد الله اتقوا الله
وأطيعوه واعلموا انكم اليه سائرون وبين يديه واقفون عام كامل تصرمت أيامه، وتفرقت
أوصاله، وقد حوى بين جنبيه حِكمًا وعبرًا، وأحداثًا وعظات؛ فلا إله إلا الله كم شقي فيه
من أناس، ولا إله إلا الله كم سَعِدَ فيه من آخرين؟! لا إله إلا الله كم من
طفل قد تيتم، وكم من امرأة قد ترملت، وكم من متأهل قد تأيم؟! لا إله إلا
الله كم من مريض قوم قد تعافى، وسليم قوم في التراب قد توارى؟! لا إله
إلا الله كم من أهل بيت يشيعون ميتهم، وآخرون يزفون عروسهم؟! لا إله
إلا الله دار تفرح بمولود، وأخرى تُعزَى بمفقود؟! لا إله إلا الله عناق
وعَبَرَات من شوق اللقاء، وعَبَرَات تهلّ من لوعة الفراق؟! لا إله إلا
الله آلام تنقلب أفراحًا، وأفراح تنقلب أتراحًا؟! أيام تمر على أصحابها
كالأعوام، وأعوام تمر على أصحابها كالأيام
فالعاقل
من اتعظ بأمسه، واجتهد لمستقبله،و الليالي والأيام خزائن الأعمال ومراحل
الآجال، تبلي الجديد وتقرب البعيد، أيام تمر فإذا هي أعوام، وأقوام تمضي
في إثر أقوام، هذا مقبل وهذا مدبر، وهذا محسن، وهذا مسيء، والكل إلى الله
يسير، فأليه المنتهى والمصير
ان
هنالك بوابة عجبا لها ما أعظمها، ما أوسعها، ما أكبرها، اتسعت لملايين
البشر على مر التاريخ، كلٌ يدخل منها ويمضي، دخل منها آدم وموسى وعيسى
ومحمد والأنبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام، دخل منها الأغنياء والفقراء،
والكُبراء والحقراء، والرجال والنساء، عجبًا لها من بوابة، لم تضق
يومًا بالموتى ولا بالمواليد، ولا بالأفراح ولا بالأتراح، عجبًا لها من بوابة
قد أشرعت أبوابها يوم أن حط آدم قدمه على الأرض، وستغلق بإذن ربها يوم
أن يرث الله ألأرض ومن عليها ويأذن الله بخراب الدنيا وزوال العالم.نعم
يا رعاكم الله، إنها بوابة الحياة الدنيا الفانية تلج من بوابتها السنون تلو
السنين
قال
الشاعرإنا لنفرح بالأيام نقطعها *** وكل يوم مضى يدني من
الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً *** فإنما الربح والخسران في العمل
عباد الله:
جمعتكم هذه هي آخر جمعة من هذا العام، وهذا العامٌ مِن أعمارِكم قد تصَرَّمَت أيّامه،
وقُوِّضَت خِيامه، وغابت شمسه، واضمحلَّ هلاله، إيذانًا بأن هذه الدنيا ليست بدار قرار، وأن ما
بعدَها دارٌ إلا الجنّة أو النار، فاحذروا الدنيا ومكائِدَها، فكم غرَّت
من راكن إليها، وصرعت من مكِبّ عليها، فعن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال:
أخَذَ رسول الله بمَنكبي فقال: "كُن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر
سبيل"، وكان ابن عمر يقول: "إذا أمسيتَ فلا تنتظرِ الصباح،
وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتِك لموتك" أخرجه
البخاري.
اخوة
الايمان.ذهب عامُكم شاهدًا لكم أو عليكم، فاحملوا زادًا كافيًا، وأعِدّوا جوابًا شافيًا، فعن جابر رضي
الله عنه قال: سمعت النبيَّ وهو يَعِظ رجلاً ويقول له: "اغتنم خمسًا
قبلَ خمسٍ: شبابَك قبل هرَمِك، وصحَّتَك قبل سقمَك، وغِناك قبل فقرك، وفراغك
قبلَ شغلك، وحياتك قبل مَوتِك، فما بعد الدنيا من مستَعتَب، ولا بعد
الدنيا دارٌ إلا الجنة أو النار" أخرجه الحاكم.
عباد الله: وكم نتساهل بالذنوب وهي -كما قيل-
مهلكات تفوت على الإنسان سعادة الدنيا والآخرة، وتحجبه عن معرفة ربه في
الدنيا، وعن تقريبه في الآخرة: (إِنَّ
الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ويرحم
الله أقواماً كانت ذنوبهم قليلة، وحياتهم عبادة وخشوعاً وزهداً وورعاً، ومع
ذلك يقول أحدهم تورعاً وتواضعاً وخشية: "لو كان للذنوب ريح ما جلس إلي أحد" هكذا كان يقول محمد بن واسع الأزدي رحمه الله،
الذي قال عنه سليمان التيمي رحمه الله: "ما أحد أحب أن ألقى الله بمثل صحيفته مثل محمد بن واسع".